مقال حول طبيعة الشغل _ هل الشغل من طبيعة مادية أم بيولوجية؟

• مقال حول طبيعة الشغل :

_ هل الشغل من طبيعة مادية أم بيولوجية؟

_ هل الشغل إلزام بيولوجي ؟  

_ هل ماهية الشغل مادية محضة ام معنوية روحية ؟

_ هل يشتغل الانسان من أجل أن يعيش فقط؟

 

هل الشغل من طبيعة مادية أم بيولوجية ؟
هل الشغل من طبيعة مادية أم بيولوجية ؟

• طرح المشكلة :

لطالما كان موضوع الشغل أو العمل محورًا أساسيًا في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، حيث يشكل الشغل جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية ، سواء من الناحية الاقتصادية أو النفسية أو الاجتماعية  و قد أثار جدلاً واسعًا بين الفلاسفة و المفكرين حول طبيعته ، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن الشغل هو نتاج للظروف المادية التي تحيط بالإنسان، وبين من يعتقد أن الشغل ينبع من دوافع بيولوجية متأصلة في الطبيعة البشرية ، و في خضم هذا الصراع الفكري، ظهر تساؤل محوري ، هل يمكننا فهم الشغل كعملية تجمع بين الطبيعة المادية والبيولوجية للإنسان، أم أن أحد الجانبين يهيمن على الآخر؟ او بعبارة أخرى هل الشغل من طبيعة مادية بحتة، أم أنه ذو أصول بيولوجية تتعلق بالغريزة والاحتياجات الفطرية للإنسان ؟

• محاولة حل المشكلة :

   • الموقف الأول : 

يرى أنصار هذا الموقف أن الشغل هو نتاج للظروف المادية التي يعيش فيها الإنسان، وأنه يرتبط بشكل وثيق بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط به ، و وفقًا لهذا الرأي، فإن الشغل ليس إلا وسيلة يستخدمها الإنسان لتلبية احتياجاته المادية، مثل الغذاء والملبس والمأوى ، وبالتالي، فإن الشغل هو عملية اقتصادية بحتة، تنبع من ضرورة البقاء في عالم مادي يتطلب العمل من أجل الحصول على الموارد ، و من أبرز الفلاسفة الذين دعموا هذا الرأي هو كارل ماركس ، الذي رأى أن الشغل هو أساس العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع ، و ماركس اعتبر أن الشغل هو العملية التي من خلالها يحول الإنسان الطبيعة من حوله لتلبية احتياجاته ، وأن هذه العملية هي التي تشكل الأساس المادي للحياة الاجتماعية ، و في كتابه (رأس المال) ، يشير ماركس قائلا : "الشغل هو نشاط مادي يهدف إلى إنتاج القيمة"، وأنه يرتبط بشكل مباشر بالملكية الخاصة والعلاقات الطبقية ، و بناءً على هذا التحليل، يمكن القول إن الشغل ليس مجرد نشاط فردي، بل هو جزء من بنية اجتماعية واقتصادية أوسع ، فالإنسان يعمل ليس فقط لتلبية احتياجاته الشخصية، بل أيضًا لتلبية احتياجات المجتمع ككل ، و في هذا السياق، يمكن أن نرى أن الشغل هو عملية مادية بحتة، حيث يعتمد على الموارد الطبيعية والتكنولوجيا والاقتصاد ، فعلى سبيل المثال، العامل في مصنع ينتج سلعًا مادية يستخدم الآلات والمواد الخام التي توفرها الطبيعة، ويعمل ضمن نظام اقتصادي يحدد قيمة عمله بناءً على قوانين العرض والطلب ، و من جهة أخرى، يرى الفيلسوف أدم سميث أن الشغل هو "المصدر الحقيقي للثروة" كما يقول ، وأنه يرتبط بشكل مباشر بالإنتاج المادي ، و في كتابه (ثروة الأمم)، يشير سميث قائلا : "الشغل هو الذي يخلق القيمة الاقتصادية"، وأنه يعتمد على تقسيم العمل والتخصص في الإنتاج ، و وفقًا لسميث، فإن الشغل هو عملية مادية تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الكفاءة والإنتاجية ، و إضافة إلى ذلك، يمكن أن نرى أن الشغل في المجتمعات الصناعية يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والموارد الطبيعية ، فعلى سبيل المثال، في المصانع الحديثة، يتم استخدام الآلات والتكنولوجيا المتقدمة لزيادة الإنتاجية وتقليل الجهد البشري ، و هذا يعزز فكرة أن الشغل هو عملية مادية تعتمد على العوامل الخارجية مثل التكنولوجيا والموارد .

   • النقد :

على الرغم من أن الموقف المادي يقدم تفسيرًا قويًا لطبيعة الشغل، إلا أنه يتعرض لعدة انتقادات ، أولاً، يركز هذا الموقف بشكل كبير على الجوانب الاقتصادية و المادية للشغل، متجاهلاً الجوانب النفسية والبيولوجية التي قد تكون لها دور أساسي في تحديد طبيعة الشغل ، فالشغل ليس مجرد عملية مادية تهدف إلى إنتاج السلع، بل هو أيضًا نشاط يحقق للإنسان شعورًا بالإنجاز والرضا الذاتي ، و ثانيًا، يتجاهل هذا الموقف تأثير العوامل البيولوجية على الشغل ، فالإنسان ليس مجرد كائن اقتصادي، بل هو أيضًا كائن بيولوجي يتأثر بغرائزه واحتياجاته الفطرية ، فعلى سبيل المثال، الحاجة إلى الانتماء والتفاعل الاجتماعي قد تكون دافعًا أساسيًا للشغل، وهو ما لا يمكن تفسيره من خلال النظرة المادية البحتة ، و أخيرًا، يمكن القول إن الموقف المادي يتجاهل أيضًا تأثير الثقافة والقيم الاجتماعية على طبيعة الشغل ، فالشغل ليس مجرد عملية اقتصادية، بل هو أيضًا جزء من الهوية الثقافية للإنسان ، و في بعض الثقافات، يُعتبر الشغل وسيلة لتحقيق الذات والتعبير عن الإبداع، وهو ما لا يمكن تفسيره من خلال النظرة المادية.

   • الموقف الثاني : 

على الجانب الآخر، يرى أنصار الموقف البيولوجي أن الشغل هو جزء من الطبيعة البيولوجية للإنسان، وأنه ينبع من الغرائز الفطرية التي تدفع الإنسان إلى العمل ، و وفقًا لهذا الرأي، فإن الشغل ليس مجرد وسيلة لتلبية الاحتياجات المادية، بل هو أيضًا وسيلة لتحقيق الذات والتفاعل مع البيئة المحيطة ، ويعتبر الفيلسوف أرسطو من أوائل الفلاسفة الذين أشاروا إلى أن الشغل هو جزء من الطبيعة البشرية ، و في كتابه (السياسة)، يشير أرسطو قائلا: "الإنسان هو حيوان اجتماعي بطبيعته"، وأن الشغل هو وسيلة للتفاعل مع المجتمع وتحقيق الذات ، و وفقًا لأرسطو، فإن الشغل ليس مجرد عملية مادية، بل هو أيضًا نشاط يحقق للإنسان شعورًا بالإنجاز والرضا الذاتي ، و بالإضافة إلى ذلك، يرى الفيلسوف فريدريك نيتشه أن الشغل هو وسيلة لتحقيق القوة والسيطرة على الذات ، ففي كتابه (هكذا تكلم زرادشت)، يقول نيتشه : "الشغل هو وسيلة لتحقيق الإرادة الحرة والتفوق على الذات" ، و وفقًا لنيتشه، فإن الشغل ليس مجرد وسيلة لتلبية الاحتياجات المادية، بل هو أيضًا وسيلة لتحقيق القوة والسيطرة على الحياة ، و من هذا المنطلق، يمكن القول إن الشغل هو عملية بيولوجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الإنسان وبيئته ، فالإنسان يعمل ليس فقط لتلبية احتياجاته المادية، بل أيضًا لتحقيق الانسجام مع الطبيعة والمجتمع ، فعلى سبيل المثال، الفلاح الذي يزرع الأرض لا يعمل فقط للحصول على الغذاء، بل أيضًا لتحقيق الانسجام مع الطبيعة وتحقيق الرضا الذاتي ، و إضافة إلى ذلك، يمكن أن نرى أن الشغل في المجتمعات التقليدية يعتمد بشكل كبير على التفاعل مع البيئة الطبيعية ، فعلى سبيل المثال، الصياد الذي يصطاد الحيوانات لا يعمل فقط للحصول على الغذاء، بل أيضًا لتحقيق التوازن مع الطبيعة ، هذا يعزز فكرة أن الشغل هو عملية بيولوجية تعتمد على التفاعل بين الإنسان وبيئته.

   • النقد :

على الرغم من أن الموقف البيولوجي يقدم تفسيرًا عميقًا لطبيعة الشغل ، إلا أنه يتعرض لعدة انتقادات ، أولاً، يركز هذا الموقف بشكل كبير على الجوانب البيولوجية للشغل، متجاهلاً الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي قد تكون لها دور أساسي في تحديد طبيعة الشغل ، فالشغل ليس مجرد عملية بيولوجية تهدف إلى تحقيق التوازن مع الطبيعة، بل هو أيضًا نشاط اقتصادي يهدف إلى إنتاج السلع وتلبية الاحتياجات المادية ، و ثانيًا، يتجاهل هذا الموقف تأثير العوامل المادية على الشغل ، فالإنسان ليس مجرد كائن بيولوجي، بل هو أيضًا كائن اقتصادي يتأثر بالظروف المادية التي تحيط به ، فعلى سبيل المثال، الحاجة إلى المال والموارد قد تكون دافعًا أساسيًا للشغل، وهو ما لا يمكن تفسيره من خلال النظرة البيولوجية البحتة ، و أخيرًا، يمكن القول إن الموقف البيولوجي يتجاهل أيضًا تأثير التكنولوجيا والتقدم العلمي على طبيعة الشغل ، فالشغل في العصر الحديث يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والموارد الطبيعية، وهو ما لا يمكن تفسيره من خلال النظرة البيولوجية التقليدية.

• التركيب :

بعد تحليل الموقفين المادي والبيولوجي، يمكن القول إن الشغل هو عملية معقدة تجمع بين الجوانب المادية والبيولوجية ،  فالإنسان يعمل ليس فقط لتلبية احتياجاته المادية، بل أيضًا لتحقيق الذات والتفاعل مع المجتمع والبيئة ، وبالتالي، يمكن أن نرى أن الشغل هو عملية متعددة الأبعاد تجمع بين الاقتصاد والبيولوجيا والثقافة.

• حل المشكلة :

في النهاية ، يمكننا التوصل إلى أن الشغل هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، وأنه يجمع بين الجوانب المادية والبيولوجية.

أحدث أقدم

إعلان

إعلان

نموذج الاتصال