مقال جدلي _ هل اساس الحياة النفسية الشعور ام اللاشعور ؟ جميع الشعب :

الشعور و اللاشعور
هل اساس الحياة النفسية الشعور ام اللاشعور ؟

• مقال حول الشعور و اللاشعور :

_ هل أساس الحياة النفسية الشعور أم اللاشعور؟

• طرح المشكلة :

تُعتبر الحياة النفسية واحدة من أكثر الموضوعات تعقيدًا وإثارة للجدل في مجالات العلوم الإنسانية، حيث تتداخل فيها العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية ، و يتناول هذا التعقيد تساؤلات عميقة حول طبيعة النفس البشرية ، فنجد تعارضًا بين موقفين رئيسيين ، الأول يؤكد على أهمية الشعور كعنصر رئيسي في تشكيل الحياة النفسية، بينما يرى الثاني أن اللاشعور هو المحرك الأساسي الذي يقف وراء العديد من الدوافع والسلوكيات ، و في خضم هذه الحرب الفكرية ، يظهر سؤال محوري: أيهما يُعتبر الأساس الأعمق للحياة النفسية الشعور أم اللاشعور؟ .

• محاولة حل المشكلة :

   • الموقف الأول :

يؤكد مؤيدو الرأي القائل بأن الشعور هو الأساس في الحياة النفسية أن الوعي هو العنصر المركزي الذي يحدد تجاربنا النفسية ، فالشعور هو ما يُعطينا القدرة على إدراك العالم من حولنا وفهم مشاعرنا وأفكارنا، كما يُعتبر أداة أساسية للتفاعل مع بيئتنا ، و يُشير الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت قائلا : "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، مما يُبرز أهمية الوعي والشعور في تأسيس الوجود الإنساني ، و الشعور، بصفته حالة واعية، يُعطينا القدرة على اتخاذ القرارات، والتفاعل مع المشاعر، وفهم الذات ، و عند الحديث عن الشعور ، يجب أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من المفاهيم النفسية مثل الوعي الذاتي ، والذي يُشير إلى قدرة الفرد على التفاعل مع أفكاره ومشاعره ، حيث يُعتبر الوعي الذاتي أساسًا لتطوير مهارات التعاطف ، حيث يُمكن الأفراد فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم بطريقة إنسانية ، مما يُظهر علم النفس الإيجابي أن الشعور بالامتنان والسعادة يُعزز من الصحة النفسية ويدعم العلاقات الاجتماعية ، و تدعم العديد من التجارب العلمية فكرة أن الشعور هو محور الحياة النفسية، حيث أظهرت الأبحاث أن الأفراد الذين يمتلكون وعيًا عاطفيًا مرتفعًا هم أكثر نجاحًا في حياتهم الشخصية والمهنية ، و في هذا السياق، تُعتبر التجارب الشعورية أساسية في تشكيل الهوية الفردية، فكل شعور نمر به يسهم في بناء تجربتنا الحياتية ، فمثلاً، تجربة الفرح أو الحزن تؤثر بشكل كبير على تصرفاتنا وقراراتنا، حيث تُعتبر هذه العواطف مؤشرات قوية على كيفية استجابتنا للمواقف المختلفة ، علاوة على ذلك، يُظهر أنصار هذا الموقف أن الشعور يُعزز من القدرة على التعلم والنمو النفسي، حيث تفيد التجارب الشعورية في معرفة الذات وتطوير المهارات ، فالشعور بالنجاح أو الفشل يُعطي دروسًا قيمة تدفعنا نحو التحسين والتطوير ، كما يقول أرسطو: "تجربة الفرح والألم هي التي تُعلمنا كيف نعيش بشكل أفضل"، مما يُعزز الفكرة القائلة بأن الشعور هو محور الحياة النفسية ، ثم إن الشعور يُعتبر أيضًا محركًا أساسيًا في اتخاذ القرارات ، و تُظهر الأبحاث أن العواطف تلعب دورًا محوريًا في عملية اتخاذ القرار، حيث يُمكن أن يؤثر الشعور بالخوف أو السعادة بشكل كبير على الخيارات التي نتخذها ، فعلى سبيل المثال، يُظهر علم النفس السلوكي أن الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة يميلون إلى اتخاذ قرارات أكثر إيجابية، بينما الأشخاص الذين يشعرون بالقلق أو الاكتئاب قد يتخذون قرارات أقل عقلانية .

   • النقد :

ومع ذلك، يمكن انتقاد هذا الموقف من عدة جوانب، فبينما يُبرز أنصار هذا الرأي أهمية الشعور، فإنهم غالبًا ما يغفلون دور اللاشعور في تشكيل السلوكيات النفسية ، فالشعور وحده قد لا يكون كافيًا لفهم التعقيد النفسي، حيث تُظهر الكثير من الأبحاث أن اللاشعور يلعب دورًا محوريًا في تشكيل الدوافع والسلوكيات ، فعلى سبيل المثال، تُشير الدراسات إلى أن العديد من القرارات تُتخذ بناءً على دوافع لا شعورية، مما يعني أن هناك عوامل خفية تؤثر على تصرفاتنا دون أن نكون واعين لها ، علاوة على ذلك، قد يكون الاعتماد المفرط على الشعور كمنطلق لفهم الحياة النفسية قاصرًا، حيث إن العديد من المشاعر تُعتبر عابرة وغير مستقرة، مما يجعل من الصعب الاعتماد عليها كقاعدة لتفسير السلوك البشري ، فالشعور بالقلق أو السعادة يمكن أن يتغير بسرعة وبشكل غير متوقع، مما يدل على أن هناك عوامل أخرى تتجاوز الشعور تؤثر في التجربة النفسية ، كما أن التركيز على الشعور قد يُغفل الجوانب العميقة لللاشعور ، التي تُعتبر جزءًا أساسيًا من التجربة الإنسانية ، فالكثير من حالات الاضطراب النفسي ، مثل الاكتئاب والقلق ، لا يمكن فهمها فقط من خلال المشاعر الواعية ، بل تتطلب نظرة أعمق إلى العوامل اللاشعورية التي قد تكون وراء هذه الاضطرابات.

   • الموقف الثاني : 

على النقيض، يُصر أنصار الرأي الآخر على أن اللاشعور يُعتبر الأساس الأعمق للحياة النفسية، حيث يُعتبر اللاشعور قوة محركة خفية تُؤثر على أفكارنا وسلوكياتنا بشكل كبير ،و يُشير سيغموند فرويد، مؤسس علم النفس الحديث، إلى أن اللاشعور يحتوي على الرغبات والدوافع التي قد تكون غير مقبولة اجتماعيًا ، مما يجعلها تُدفع إلى اللاوعي ، و فرويد يرى أن العديد من السلوكيات البشرية تتأثر بعوامل لا شعورية، مما يعكس أهمية هذا الجانب من النفس في تشكيل الهوية والسلوك ، و تُعتبر نظرية التحليل النفسي لفرويد هي الأساس لهذا الموقف، حيث يُشير إلى أن اللاشعور يُخزن الذكريات المؤلمة، الرغبات المكبوتة، والصراعات الداخلية، والتي تؤثر بشكل كبير على سلوك الأفراد ، فعلى سبيل المثال، يُمكن أن يؤدي صراع داخلي بين الرغبات اللاشعورية والمعايير الاجتماعية إلى ظهور أعراض مثل القلق والاكتئاب، مما يُظهر كيف يمكن أن تكون العمليات اللاشعورية مركزية في فهم الصحة النفسية ، علاوة على ذلك، يُعتبر التحليل النفسي وسيلة فعالة لفهم اللاشعور ، حيث يُستخدم كوسيلة لاستكشاف الرغبات الخفية والدوافع التي تؤثر على السلوك ، و يُشير هذا النهج إلى أن فهم الرغبات اللاشعورية يمكن أن يُسهم في تحقيق الشفاء النفسي، حيث يُمكن للأفراد مواجهة الصراعات الداخلية ومعالجتها، مما يُعزز من الفهم الذاتي والنمو الشخصي ، كما يُظهر أنصار هذا الموقف أن اللاشعور يُساهم في الإبداع والتفكير الابتكاري، حيث يُعتبر العديد من الأفكار الإبداعية نتاجًا لعمليات لا شعورية ، فالفنانين والمفكرين غالبًا ما يسحبون من مخزون اللاشعور لإنتاج أعمال فنية مبدعة، مما يُظهر كيف أن اللاشعور يُمكن أن يكون مصدرًا للقوة الإبداعية ، و يُشير كارل يونغ إلى مفهوم (اللاشعور الجماعي)، الذي يعكس كيف أن الرموز والأساطير الثقافية تُسهم في تشكيل الوعي الفردي .

   • النقد :

ومع ذلك، يمكن انتقاد هذا الموقف من عدة جوانب، حيث يُعتبر التركيز على اللاشعور وحده قاصرًا لفهم الحياة النفسية بشكل كامل ، فبينما يُظهر أنصار هذا الرأي أهمية اللاشعور، فإنهم غالبًا ما يغفلون دور الشعور في تشكيل التجربة الإنسانية ، فالشعور يُعتبر عنصرًا رئيسيًا في تشكيل الوعي الذاتي ، حيث يُمكن الأفراد من فهم أنفسهم وتطوير مهاراتهم الشخصية ، و علاوة على ذلك، يُمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على اللاشعور إلى تجاهل العوامل الواعية التي تؤثر في السلوك، مما يُعطي انطباعًا بأن الأفراد ليس لديهم سيطرة على قراراتهم وسلوكياتهم ، و هذا يُناقض فكرة المسؤولية الشخصية ويُعزز من فكرة أن الأفراد مجرد ضحايا لقوى لا شعورية ، مما يُقلل من أهمية الفهم الشعوري في العملية النفسية ، كما أن بعض الانتقادات الموجهة لفرويد ونظريته تشير إلى أن تركيزه على الجنس والصراعات اللاشعورية يُمكن أن يُعتبر مبالغة ، حيث لا تعكس هذه النظريات التعقيدات المتعددة للحياة النفسية ، لذا، يجب أن يُؤخذ في الاعتبار أن هناك تفاعلات معقدة بين الشعور واللاشعور ، ولا يمكن فهم النفس البشرية من خلال أحد الجانبين فقط .

• التركيب :

عند النظر إلى الأطروحتين، نجد أن أنصار الرأي الأول يرون أن الشعور هو الأساس، بينما يقدم الرأي الآخر أدلة على أهمية اللاشعور ، اذ يمكن اعتبار الشعور واللاشعور عنصرين مكملين في فهم الحياة النفسية، حيث يُمكن أن يُعزز كل منهما من الآخر ، لذا، يمكن أن يُعتبر الشعور هو الواجهة التي نُدرك بها العالم، بينما يشكل اللاشعور العمق الذي يُخفي الدوافع والرغبات الحقيقية ، ثم إن التوازن بين الشعور واللاشعور يُساعد على تحقيق فهم شامل للنفس البشرية، مما يُساهم في تطوير استراتيجيات علاجية فعالة تُعزز من الصحة النفسية.

• حل المشكلة :

في الختام، تُعتبر مسألة أساس الحياة النفسية بين الشعور واللاشعور موضوعًا غنيًا بالنقاشات الفلسفية والنفسية ، حيث يُظهر الصراع بين هذين الجانبين التعقيدات العميقة التي تُشكل تجربتنا الإنسانية ، و يُظهر التاريخ العلمي أن كل من الشعور واللاشعور لهما دور محوري في تشكيل الهوية والسلوك ، لذا من الضروري تحقيق التوازن بينهما ، و يمكن أن يُساهم هذا التوازن في تطوير استراتيجيات علاجية فعالة تُعزز من رفاهية الأفراد وتُساعدهم في فهم أنفسهم بشكل أعمق ، ثم إن استكشاف العلاقة بين الشعور واللاشعور يُعد رحلة مثيرة نحو فهم أعمق للنفس البشرية، مما يُعزز من قدرتنا على التفاعل مع العالم من حولنا.

أحدث أقدم

إعلان

إعلان

نموذج الاتصال